أهلاً وسهلاً
بحضورك أشرقت الدار
وبانضمامك الينا
سعدنا كثير وغمرتنا الفرحة
وكلنا شوق لاطلالتك علينا
كل يوم
بحضورك البهي
وما سيجود فيه قلمك
من همسات ومشاركات
فقد تهيئت قلوبنا قبل صفحات منتدانا
لاستقبال عبق حروفك
وبوح قلمك
وتقبل امنياتي بقضاء أجمل وأسعد الأوقات
وأكثرها فائدة لنا ولك
وأهلاً وسهلاً
أهلاً وسهلاً
بحضورك أشرقت الدار
وبانضمامك الينا
سعدنا كثير وغمرتنا الفرحة
وكلنا شوق لاطلالتك علينا
كل يوم
بحضورك البهي
وما سيجود فيه قلمك
من همسات ومشاركات
فقد تهيئت قلوبنا قبل صفحات منتدانا
لاستقبال عبق حروفك
وبوح قلمك
وتقبل امنياتي بقضاء أجمل وأسعد الأوقات
وأكثرها فائدة لنا ولك
وأهلاً وسهلاً
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اللمة الجزائرية :: تعرف على الجزائر من أهلها جزائري : منتدى ثقافى ، سياحي ، تعليمي ، نقاشي ، تطويري ، برمجي ، رياضي ، ترفيهي ، سياسي متخصص بالشوؤن الأسرة.
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولكل القونين المنتدى

 

 رموز واساطير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اميرة الورد
المـديـر العـــام
المـديـر العـــام
اميرة الورد


عدد المشركات : 2601
مستواك : 1672
معدل اليومي :: : 34
تاريخ التسجيل: : 05/01/2010
العمر : 35
الموقع : تلمسان

رموز واساطير Empty
مُساهمةموضوع: رموز واساطير   رموز واساطير I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 17, 2010 12:49 pm

رموز و أساطير في الموروثات الشعبية - عبد الفتاح رواس قلعه جي

خطة البحث

- رواسب قديمة وصياغات جديدة.

- رموز قومية وتاريخية.

- المزج بين عالمين وتداخل الحدود

- بقايا رموز وأساطير في الأغاني الشعبية

- الإبداع والرمز

- رموز سحيقة في الطقوس الاحتفالية والألعاب.

- قوى أسطورية في الأعداد

- العقوبة والتطهير.

سيجد الباحث صعوبة في الفصل بين الواقع والأسطورة والرمز، باختلاف الموقع الذي يتخذه للنظر في تلك البنية الفكرية والحَدثِيَّة الكونية للأسطورة. إن ما دأبنا على تصنيفه اليوم في باب الأسطورة، والفكر الأسطوري، كان بالنسبة للذين عاشوه من قبل، واعتقدوه، واقعاً فكرياً وحملته إلينا، على بُعْدِ العهد، الكتاباتُ الأدبيةُ والدينية، المدونة على الرُّقُم، والتي يجتهد الدارسون في استكناه رموزها، واستنطاق أحداثها، ليصلوا إلى مقاربة موضوعية لواقعٍ وفكرٍ، يفصلنا عنهما زمن متراكم. لهذا كان من العسير رسم حدود واضحة، ونهائية لعديد من الأساطير.

إن بعض القصص التي يعتبرها بعضهم مجرد حكايات أسطورية قديمة، يعتبرها آخرون من موقع فكرهم الديني حقيقة تاريخية، وبخاصة فيما يتصل بتاريخ وقصص الأنبياء.

* رواسب قديمة وصياغات جديدة

إن الأسطورة، التي تفترق عن الخرافة وعن الحكاية الشعبية، لها دائماً حقيقتها البدئية الخاصة بها.

كما أن لها حركيتها ضمن جغرافية مبهمة أو متبدلة، وزمن دائري غامض يكفي مرتبط بحركة الفكر والطبيعة. وداخل هذه الدائرة الزمانية - المكانية يقوم عالم تام مدهش قائم بذاته، له شروطه ورموزه اللغوية والتصويرية والتاريخية، تقاربه من واقع معين في زمن معين غابت عنا ملامحهما. وهذه حقيقة يصل إليها الباحث حين يعمد إلى تفكيك بنية الأسطورة، لاكتشاف المنابت الواقعية الأولى لها، ومتابعة خط تطورها الدلالي عبر الطقس والخطاب اللغوي، حتى أوج سيرورتها، حين تصبح الأسطورة هي العالم بذاته، في صياغة جديدة رائعة وممتعة، حيث يسود النشاط المستمر والفاعلية الخارقة، ويتبدى ذلك العالم الخيالي، الذي تتوحد فيه الأشياء، والمركَّب من جملةٍ من الإشارات والصور الشاملة، إلى أن تنتهى الأسطورة عبر ظروف جديدة إلى التفكك الطبيعي. ويحمل حطامُها وجزئياتها المبعثرة في الحكايات والمأثورات والأقوال والعادات والأشعار الشعبية روحَ الأسطورة الأم، مع غموض الدلالة أو انغلاقها، والتي لا تنكشف إلا للباحث المتفكر، فتبدو مثل مونادات تختصر العالم.

وسيجد الباحث أن بعض الرموز قد غاضت دلالتها، ولم تبق إلا صورتها، وأن أَيَّة محاولة لفهمها وتفسيرها تتطلب دراسة وتحليل ظروف وعناصر المجتمع والثقافة التي نشأت فيها، وعلاقاتها مع نسق الرموز السائدة في تلك الفترة. كما يواجهه أن بعضها قد تحول إلى مُجَرد علامات، وخرج عن نسق الدلالة الأولى.

الأسطورة هي نسيج تجاربي، وواقعي أصلاً، واقعية فكرية في زمن ما، وربما أيضاً وقائعي.

إن الوعي الإنساني قديم جداً، ووجودنا ليس منقطعاً عن وجود من سبقنا على محور التطور البشري، ولكي تتحقق هذه الرؤية التاريخية للوعي، ونتعمق فهم أنفسنا وواقعنا وتاريخ تجربتنا لابد أن تكون لدينا القدرة على الإحساس بكلية التجربة الإنسانية. إن التلميذ وهو في الثانوية العامة لابد له أن يتذكر أنه قد بدأ تجربته اللغوية منذ امتلاك الأحرف الهجائية تصويتاً ورسماً، وأن هذه الأحرف ستبقى الركيزة، والإناء لكل معارفه اللاحقة.

إن الأساطير، وبقايا رموزها، ليست كالأحرف تماماً، ولكنها، في حالتها المعرفية الأولى، هي الركيزة البدئية في تاريخ الوعي الإنساني لكل المعارف التي تلت،وهذه الركائز هي جزء من اللغة والسلوك الرمزي العام، الذي يتميز به الإنسان عن الحيوان، وبه تتجدد إنسانيته. لكن العهد اليوم قد أوغل في البعد عن هذه الركائز البدئية، ولهذا يحق لنا أن نتساءل: ما الذي بقي من الأساطير ورموزها في عصر يغزو فيه الإنسان الفضاء؟

إن العقل العلمي الحديث قد اتخذ نهجاً معرفياً بعيداً عن الفكر الأسطوري، ولكن إذا توجهنا إلى حدود التقاليد والأعراف والمأثورات والطقوس فإننا سنجد فيها بقايا رموز وممارسات لايمكن إلا أن نردّها إلى منابعها الأولى الأسطورية.

لاشك أن القرآن الكريم بِخِطابِهِ المباشر للعقل، بما جاء فيه من آيات عديدة (لقوم يعقلون، أفلا تعقلون، لقوم يتفكرون، لقوم يعلمون....) وضع الأسس المعرفية الضرورية للانصراف عن التفكير الأسطوري إلى اعتماد العقل في النظر والتبصر: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت)، وأشار في أَكثر من موضع إلى الفرق بين ماجاء به من فكر عقلاني قائم على البيّنات، وبين ما كان سائداً من قبل من فكر أسطوري مستعملاً كلمة "أساطير " بمعناها العلمي الذي نَستعمله اليوم " إن هذا إلا أساطير الأولين".

كما أن الفكر العلمي الجديد أزاح الفكر الأسطوري من المواقع الأمامية إلى المواقع الخلفية الشعبية. وإذا كان لاستمرار الفكر الأسطوري في التقاليد والمأثورات والمعتقدات الشعبية جوانب سلبية فإن له جوانب أخرى ذات قيمة. فالأساطير والمأثورات تعطي الواقع بعداً ثالثاً، إنها تعمق الإحساس بالواقع، كما أنها تشكل جزءاً من التراث الجمالي والمعرفي لشعب من الشعوب كالأدب والفن والفلسفة.

وإذا كان الظهور الاعتقادي للأساطير أو لرواسبها المعرفية في الإنسان يؤدي إلى تراكم التخلف، فإن الظهور الواعي لها في الإبداع الأدبي والفني، وحتى الفلسفي، يمكن أن يحقق له عمقاً تاريخياً ومعرفياً أكبر، ويقدم له صفات جمالية آسرة وغير محدودة. ويدعم جوانبه الوظيفية والتربوية والأخلاقية والاجتماعية والقومية والإنسانية، فيبعده عن الخطاب المباشر، ويضعه على مسار حركي ما بين الواقع الصلب، والمتخيل الثَرّ.

إن انبعاث أسطورة ما، ووضعها أساساً لمسار فكري أو سياسي يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغيير مجرى التاريخ في منطقة ما، كانبعاث أسطورة الميعاد في فلسطين، ويمكن لمجموعة من الأساطير أن تستغل لتكون الأساس لمنظومة فكرية عنصرية توسعية، متخذة القوة والمنطق السياسي سبيلاً لتحقيق غايات معينه.

من جهة أخرى فإنه مع ازدياد الصراعات السياسية والدولية، في مناطق مقهورة من العالم، يتم استغلال خفي لرواسب الفكر الأسطوري لدى الشعوب لتكريس فكرة الحاكم الكاهن، والحاكم نصف الإله، الذي لا يُخطِئُ، ولايجوز لأحد محاسبته، وتُوظَّفُ لهذه الفكرة أحدث وسائل الاتصال, وهكذا يعود الفكر الأسطوري في لباس حديث، وتعود عبادة الفرد المقدس بأشكال معاصرة جداً. والعصر يشهد ظهور أساطير من نوع جديد، حيث تساهم وسائل الاتصال والإعلام والفن، من تلفزيون وسينما وصحافة ومنشورات، في تكريس الاعتقاد بوجود الكائن السوبرمان، سواء كان هذا الكائن شعباً أو دولة أو تكنولوجيا أو غيرها، مثال ذلك: ألمانيا التي لا تقهر في الحرب الكونية الثانية، وأمريكا التي لاتقهر اليوم، ولا تخفى على مؤسساتها الأمنية خافية، كأنها تملك كأس جمشيد أو مرآة الإسكندر، والجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، والشعوب الغربية التي هي الأنموذج " المقدس"، في العدالة والديموقراطية والحرية والحياة السعيدة، وتكريس الاعتقاد بأن الماسونية هي التي تحكم العالم وتحركه كما تريد... والأمثلة عديدة.

إن مراجعة أغلب الأفلام الأمريكية الموضوعة عن الحرب الفيتنامية تؤكد هذا القصد في رسم صورة الأمريكي السوبرمان، وإن أمريكا بعد اهتزاز صورتها الأسطورية في فيتنام ظلت تبحث عن حرب أخرى، تعيد فيها سيطرتها الأسطورية حتى كانت حرب الخليج.

وإن مراجعة ما استقر في وعينا يؤكد هذا الإيمان بوجود " سوبرمان" يحرك التاريخ، ويجعل العالم لعبة في يديه، ونحن بذلك نبدع أساطير جديدة، تشبه أساطير الأولين، التي تتحدث عن الآلهة وتحكّمها بأقدار البشر.

إلا أن هذه الأساطير المعاصرة تختلف عن الأساطير القديمة ذات المسار الديني والأخلاقي والتربوي إلى مسار آخر هو إحداث الرعب من هذا الكائن المتفوّق شخصاً كان أم شعبا، والتسليم بالضعف الأبدي تجاهه. ولهذا جاء النظام الإسلامي هادماً للفكر الأسطوري بصيغتيه القديمة والمعاصرة " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"، " قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق" فالنصر ليس للكائن الأسطوري، وإنما لمن ينتصر للحق والخير والعدل، وإن النص القرآني بمجمل آياته هو خطاب مباشر في التبيان والوعد والوعيد، موجه للإنسان الذي يُعِدُّه الخطاب ليكون المؤهل لمواجهة الأسطورة قديمها وحديثها.

رموز قومية وتاريخيه

غير أننا في تلمسنا للإيجابيات في هذا الموضوع يمكن أن نجد أنّ وَحْدَةَ الأسطورة يمكن أن تكون إحدى مقومات الوحدة، المؤدية للتقارب بين الأمم والشعوب، مثال ذلك أنهم اعتبروا اوزيريس أخاً لكنعان، وكان كنعان أول من سُمي بفينيقس. وكانت أعياد قيامة أوزيريس تقام في مدينة جبيل الشامية، كما كانت تقام في فاروس " الاسكنديه القديمة" أعياد وشعائر أدونيس الفينيقي، ومثل هذه الأسطورة يمكن أن تكون العمق التاريخي الأبعد للوحدة بين مصر والشام. بالإضافة إلى الروابط التاريخية العربية وتعد الشعارات والرموز جزءاً من أساطير الشعوب، من ذلك الهلال والنسر، وهما الرمز القومي لعدد من الشعوب العربية والسامية، وتقابله نجمة داود، وهي رمز القبائل العبرية، ونسر هو المعبود القمري السبئي، ويشير إلى القدرية والدهرية، وهو رمز لخلود الأمة وقوتها، وقد ورد في نصوص المسند اسم بيت نسور. ويورد عبيد بن شربة الجرهمي أسطورة الحكيم لقمان بن عاد ذي نسور، الذي ارتبط موته بفناء نسوره السبعة، وقد أطلق اسم المعبود سين "القمر" على يوم الاثنين من الاسبوع ومن أسمائه أيضاً " شَهْر "، ومن الغريب أن بقايا رموز المعبود سين (أو شين في الملحمات الأوغاريتية) نجدها في كتاب اللباد النسوي، وهو ليس بكتاب وإنما هو جملة معتقدات شفوية تتناقلها عامة النساء، حيث المأثورات فيه تدعو إلى أن يكون الاثنين يوم عطلة لسيدة البيت والرجل. ولهذا تقول الحكم الشعبية:

" غسيل يوم التنين شِدّةْ ودين ووجع إيدين "

" الجازه (أي الزواج) يوم التنين بتموّت الأولاد"

" كول بالدين ولا تشتغل يوم التنين"

وقد اتخذ العرب في الجاهلية للقمر صنماً على شكل عجل بيده جوهرة، يسجدون له ويصومون أياماً معلومات من كل شهر، ثم يأتون له بالطعام والشراب، ويرقُصُون ويغنون حوله معيّدين ويبدو أن بني كنانة والحميريين والصابئة عبدوا القمر مع الشمس والسيارات السبع.

وسعى لقمان إلى الخلود عن طريق نسوره، كما سعى إليه الخضر، وفاز به في الموروث الشعبي، حتى أصبح رمزاً لاستمرار الحياة. ونجد بقايا ذلك في عادة جرت عليها بعض الأمهات، عند ما يشرق الطفل وتخاف على حياته، تقول له " خضر" كأنها تطلب له حياة الخضر، والخضر في الموروثات الشعبية الاعتقاديّة هو الذي قام بدفن آدم، وهو صاحب موسى ووزير ذي القرنين اليمني، وصاحب الظهورات التي تدل عليها المقامات.

وبعد الإسلام بقيت أنماط سلوكية جديدة كانت في الأصل تحمل مضمونات رمزية، مثال ذلك: تقبيل الحجر الأسود، اللبنة الأساس في بناء البيت " الكعبة" الذي حقق الوحدة الفكرية منذ قيام إبراهيم وإسماعيل ببنائه وهو الرمز للوحدة القومية القبلية بعد عام الفيل، حين اختلفت القبائل على من يضع الحجر المقدس من البناء في مكانه، ولعل عمر بن الخطاب لم يدرك هذا الرمز حين قال: " والله لولا أني رأيت رسول الله (ص) يقبلُك ما قبَّلتك" وإن استمرار هذه الشعيرة ضمن شعائر الحج هو نَقْلةٌ لزمن دنيوياً تاريخياً فصار رمزاً مقدساً دورياً يتكرر كل عام.

ومن ذلك أيضاً السعي بين الصفا والمروة، وهو الرمز التاريخي لقيام هاجر بالبحث عن أسباب الحياة - الماء-، والإشارة إلى هذه النعمة الأساسية التي كانت منها الحياة واختصت بها الأرض دون الكواكب "وجعلنا من الماء كل شيء حي" وإذا أوغلنا في تتبع المعتقد الشعبي بقدسية مياه زَمْزم التي انبجست في هذه الحادثة التاريخية، بالرغم من أنها مجرد نبع ماء، نستطيع أن نجد الخيط الذي يربط هذا الاعتقاد الشعبي بالفكر الإسلامي نفسه. إننا لا يمكن أن نتجاهل اتجاه هاجر الخارجي في سعيها بين الصفا والمروة مستشرفةً قافلةً تحمل ماء لتسقي ولدها إسماعيل، واتجاهها الداخلي النفسي بكليتها إلى الله في طلب هذه الحاجة. ومجئ النجاة إلهياً متمثلاً بانبجاس الماء، وهذا يتسق تماماً مع دعوة الإسلام إلى طلب الحاجة ممن وحده يقصد في الطلب وهو الإله عز وجل.

ومع مجيء الإسلام وسيادة التوحيد كان من الطبيعي أن يتم إبعاد المضمون الوثني، مع الإبقاء على سلوك بعض الطقوس القديمة ضمن صياغات جديدة مثال ذلك طقوس الاستسقاء القديمة للمعبود حَدَدْ، ثم صياغتها بشكل عقلاني ومنظم في الإسلام، وهو الصلاة والتضرع لِلّه، مع بقاء رموز قديمة في المعتقد الشعبي، كأن يلبس المصلي جبة أو يحمل مظلة إلى أن انتهى ذلك بصياغة الفاصل الغنائي الفني الرائع وهو موشح (إسق العطاش) ونجد استسقاء مغايراً، هو استعطاف الشمس لإرسال نورها ودفئها، والشمس من المعبودات القديمة، وقد أقام عرب الجاهلية لها صنماً بيده جوهرة على لون النار، وله بيت وسدنة وحُجّاب، وكانوا يأتون البيت ويصلون فيه ثلاث مرات في اليوم، يسجدون للشمس إذا طلعت وإذا توسطت السماء وإذا غربت، ولهذا نهى الرسول (ص) عن الصلاة في هذه الأوقات.

لقد اطلق العرب اسم عبد شمس على بطن من قريش، وقيل إن أول من تسمى به سبأ بن يشجب، وممن عبدوا الشمس حِمْير قبل أن يتهودوا، ويقول هيرودتس بأن العرب كانوا يعبدون أوروتال، وهي كلمة مركبة من الآرامية بمعنى النور المتعالي أي الشمس، واستسقاء الشمس يأتي على ألسنة الأطفال في شدوهم:

يا شميسه اطلعي لي *** لأنشر غسيلي

ومن أغانينا الشعبية:

" طلعت يا محلى نورها *** شمس الشموسة"

إن الحاجة إلى النور ضرورة لاستمرار الحياة، واتخاذ ما يرمز إليه وسيلة لبلوغ الأرب، دعت الإنسان إلى إشعال الشموع في مزارات القديسين والأولياء وفي أعياد الميلاد، وإلى وضع قناني الزيت في الأضرحة. والزيت هو مادة النور، وذكر في القرآن لمقاربة التشبيه بالنور الآلهى" يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار"

لابد أن نفرق بين الصياغة الإسلامية التي لا تنفصل عن الفكر الإسلامي، وبين الصياغات الأخرى التي جاءت قبل و بعد الإسلام، والتي قد تتفق أو لا تتفق مع جوهر الفكر الإسلامي. من ذلك عادة ضرب القداح في الجاهلية، وزجر الطير (التي تشير) إلى استكناه القَدَر، ومحاولة تجنب أخطار ممكنةٍ. لقد ظهرت بأشكال جديدة بعد الإسلام، كفتح المصحف اعتباطاً، وقراءة أول ما يقع عليه النظر من الآيات، ليعرف، على سبيل المثال، المزمعُ على السفر هل يسافر أم لا.

أما في الحب فقد أخذت شكلاً متناغماً مع هذه العاطفة، وذلك بتقطيف أوراق الوردة، كما ظهرت في حسابات رياضية هي حسابات النِّيم،

أما الصياغة الإسلامية فهي عقلية نفسية إيحائية، تتجلى في الاستخارة وهي صلاة ركعتين ودعاء ثم محاولة الوصول إلى نوع من الصفاء النفسي والقرب الإلهي، ليسكن العقل والقلب على تصرف معين، والخير فيما اختاره الله، هكذا يقول المستخير.

ومن الغريب أن نجد بعض الناس، يحيدون عن هذه الطريقة العقلية النفسية إلى حسابات جُمَّلية في معرفة التوافق بين الخاطبين، وهل يكون الزواج سعيداً أم لا، بدلاً من دراسة طباع كل منهما.

على أن هذه الاستشارات لم تكن لها صفة القدرية أحياناً، وكان المرء يلغيها حين تقف دون تحقيق حاجته ورغباته، كما فعل امرؤ القيس حين خرج القدح الذي يقول: لا تحارب، فشتم المعبود ذا الخلصة، وأنفذ ما عزم عليه.

لو كنت ياذا الخلصة الموتورا *** مثلى وكان شيخك المقبورا

لم تنه عن قتل العداة زورا ومثلما التهم عمر بن الخطاب معبودة التَمْري، حين دعته الحاجة إلى الطعام، وكما رفض التصمم استطلاعات المنجمين وتنبؤاتهم في غزو عمورية.

* المزج بين عالمين وتداخل الحدود

رغم تطور الحياة، وسيادة العقل العلمي، لم يتخلص الناس تماماً من المزج بين الدين والأسطورة، بل وحتى السحر، في حياتهم الاجتماعية والسياسية.

مثال ذلك أن يؤمن الإنسان بوجود عالمي الجن والإنس كأن يقول المرء في مجال الممارسة: "دستور يا حاضرين" لأخذ الإذن من الجن قبل صب الماء الساخن، لئلا يقع ذلك الماء فوق رأس جني فيؤذيه والتي تفعل ذلك من النساء فقد " يَلْطُشُها الجان"، وهنالك حكايات كثيرة كنت أسمعها عن نساء " ملطوشات"، أي مسكونات بالجن، يتعرضن لعذاب جسدي غير مرئي. ومثله أيضاً في مجال التخريف،ما رواه لي طبيب (شعبي)، أن الجن يُجْرون عمليات دقيقة للإنس في الأَعضاء الدقيقة كالأذن والعين يضاف إلى ذلك ما تزخر به حكاياتنا الشعبية من قصص الزواج بين الجن الإنس، وقد أصبحت بدائل للزواج بين الآلهة والإنس في الميتولوجيات القديمة. ونذكر في هذا المجال الحروب التي قامت بين بني سهم وبين الجن حتى صعد بنو سهم الجبال، فلم يتركوا حية ولا عقرباً ولا خنفساء إلا قتلوها، والجن يتجسدون بأشكالها، حتى استغاث ملك الجن بقريش للصلح. والعرب نسبوا للقبائل البائدة: جديس، ثمود، عاد، العمالقة، جرهم، انحدارهم من زواج بين الجن والإنس أو الملائكة والإنس، ومن هنا جاء اعتبار القبور، والأماكن الخربة، والرطبة والوسخة والمهجورة في البيوت، مواطن للجن والعفاريت، وبعض الحمامات العامة أيضاً، وكانت تحية العربي للجن: عموا ظلاماً، إتقاء لشرهم، وأصابها التعديل اليوم فصارت " مساء الخير".

وهناك التصوّر الشعبي للبراق، في حادثة الإسراء، فقد صاغ العامة له في أذهانهم ورسومهم الشعبية شكلاً مشابهاً للصَّنتوُرات في الميتولوجيا القديمة، تلك الكائنات الخيالية التي نصفها العلوي بشر والسفلي حيوان، وهو حصان على الأغلب.

وبعض أسوارنا وأبوابنا التاريخية، حتى في العهد الإسلامي، نجد منقوشاً عليها ذلك الرصد السحري،لإرهاب العدو ومنع دخوله: باب الحيات، باب الأسود، وهكذا. وما نزال إلى اليوم نجد بعض الناس يتحصنون ضد قوى الشر أو المرض بالحجابات والشبة والخرزة الزرقاء، ويرى الأسدى في موسوعته أن الحلبيين إذ يضعون على صدر الطفل قطعة من الشَّبة والخرزة الزرقاء المثقوبة فهم يرمزون بها لشعوب الشمال والبحر الغزاة، الذين عانت حلب من ويلاتهم الكثير، والشبة رمز لبياض بشرتهم، أما الخرزة الزرقاء فرمز لزرقة عيونهم.

ويعتبر بعضهم أن الجامع أو الكنيسة هما المكان المبارك، الذي تنحل فيه العقد إذا أتى المرء ببعض الأعمال فيه، كوضع الأقفال على باب ضريح النبي زكريا في الجامع الكبير بحلب، أو تحنية كفَّي الطفل فيه ليلة العيد ليكون كثير الرزق، أو تبييت الأرملة أو العانس، في جامع البختي ليلاً، كي تخطب قبل ظهور نجمة الصبح (الزهرة) وهذه العادة، التي قد نظنها في شئ من الإسلام، تعود إلى عهود " أساطير الأولين "، والعزى نجمة الصبح هي إحدى بنات هُبل الثلاث، وكانت المرآة في الجاهلية إذا عسر عليها خاطب النكاح نثرت جانباً من شعرها، وكحلت إحدى عينيها، وحجلت على إحدى رجليها ليلاً وهي تقول: يا نكّاح ابغ النكاح قبل الصباح، أي قبل ظهور نجمة الصبح. ومواويلنا الشعبية تحفل بالتغني بنجمة الصبح، وكانت عبادة نجمة الصبح منتشرة في اليمن وخلال أعيادها يقام العرس المختلط، ومن طيور وحيوانات نجمة الصبح المقدسة الحمام والغزال، والعرب يشبهون المرأة الجميلة بالغزال. وتربط الحلبيات في هنهوناتهن بين نجمة الصبح والحب وأفراح العرس: يا نجمة الصبح فوق الدار عَلَّيتى شميتي ريحة الحبايب وجيتي ضوّيتي

ومنها ربط إبهامي قدمي الطفل الذي تأخر في المشي بخيط ليقطع الخيط أول خارج من صلاة الجمعة، ويقول له حامله: فك اشْكالو وكول اللي في ديالو. أما الضرب بالمندل فيذكرنا بكأس ججشيد أو مرآة الإسكندر، ويرى فيه الرائي ما يحدث في مناطق بعيدة.

والشرب من طاسة الرعبة المكتوب فيها آية الكرسي يذكرنا بتقديس موارد المياه في العهود الوثنية، وكانت مياه نهر حلب، المسمى قويق الآن، وخاليس قديماً، وأسماكه مقدسة..

ومن عجائب الدنيا عند أهل حلب ثلاثة، منها اثنان مائيان، وهي: جب الكلب وقلعة حلب ونهر الذهب، ويزعمون أن المصاب بداء الكلب ينظر في مياه الجب فإذا رأى صورة كلاب فيه وسمع عواءها فهو ميت. ولحفظ موارد المياه من العبث والسرقة نسجوا حولها الخرافات فزعموا ظهور جدي أمام قسطل الحارة يمنع الاستقاء منه ليلاً، فإذا جذبته تطاول جسده، وتقديس مصادر المياه مازال معتقداً لدى بعض الطوائف إلى اليوم. والماء هو مصدر الخصب والحياة، وهناك كثير من العادات والتقاليد تحمل هذه الرموز، كأن تلصق العروس قطعة من العجين، أي دقيق الحنطة الممزوج بالماء، على باب زوجها، ومنها التعميد بالماء وقطرات الزيت كمصدرين للخصب والنور، ومنها رش ماء الزهر على أكف ورؤوس المحتفلين. ولا يمكن أن نخطئ الروابط بين هذا الحطام الرمزي في المعتقدات الشعبية وبين تمثال ربة الينبوع، وهو موجود في متحف حلب، وهي تحمل بين يديها إناء فخارياً للماء يتوضع أسفل السرة ليمتزج رمز الحياة برمز الخصب.

إن موارد المياه عند الإنسان الديني مكان مقدس، فالمكان في مفهومه غير متجانس دنيوي وديني. وإن شعائر دينية معينة تستمر في الحياة، وتقع موارد المياه من ضمنها، تحافظ على قدسية هذه الموارد، كنبع زمزم، وأفضل هدية مباركة يحملها الحاج شيء من ماء هذا النبع، والسبلان في المساجد، وحتى القساطل تنسج حولها الخرافات، وقد رأيت صورة أحد القديسين في مدخل مغارة في جبال اللاذقية، يفور منها الماء ويغور، وإليه يعزى فضل الحفاظ على هذا المورد الحيوي.

لكن خروج هذه الموارد المائية من دوائر هذه الشعائر، وارتباطها مباشرة بخطة تنظيمية عقلية تقوم عليها الدولة، كشبكات المياه الحديثة، وتخفف الإنسان من القلق في تأمينها أو انقطاعها، ابعد عنها صفة القداسة.، إننا نقف اليوم أمام خزانات المياه الرئيسية في المدينة فلا يثير فينا هذا الوقوف أية مشاعر قدسية.

* بقايا رموز وأساطير في الأغاني الشعبية..

في أغانينا الفولكلورية وفي الشعر الشعبي الغنائي نجد بقايا رموز أسطورية، إلى جانب مؤثرات إسلامية. إن كثيراً من المواويل والمطاولات والأزجال تبتدئ أو تنتهي بالصلاة على النبي، وفي هتاف العرس الحلبي يتجلى المزج الرائع بين العبارة السريانية والعبارة العربية الإسلامية: الله يساوي دوز دوز جى، صلوا على محمد الزين زين مكحول العين، واللي يعادينا الله عليه. وأصلها بالسريانية: الله يساوى دوص دوص، جعي بعشونا وبورخ فيح دوص دوص حابينا هل. ومعناها: ليوفقك الله، افرح وابتهج، اصرخوا بقوة، ليكن زواجك مباركاً، هيّا افرح وابتهج.

وعندما نعود إلى أكثر الألفاظ شيوعاً في الغناء وهو نداء " ياليل" فثمة آراء في تفسيرها، ومن هذه الآراء أنها نداء: ليليث الشيطانة، حوّاء الأولى، التي توحّدت بالحيّة، والموكلة بخنق الأولاد، ويعتقدون أن الأرض كانت مسكونة بالجن قبل الإنس. والجنية "ليل" تظهر ليلاً وتسكن الأماكن الخربة وموارد المياه، كما تظهر ليليث في الزغاريد عقب ولادة المرأة أو في الأعراس هكذا: لي لي ليش

كأن هذا الهتاف خاص بأيام الأفراح والأعراس والولادة لإبعاد شر ليليث. وخلود هذه الجنية (حواء الأولى) المتوحدة مع الحية يظهر في خرافات حلبية، فالحية لا تموت وإنما تأتي الملائكة وتحملها بعد أن تعمر طويلاً وترميها وراء جبل قاف والثعبان رمز قمري، واستعمل نقشه كرصد حماية وحراسة للمباني والتحصينات، وفي النقوش القديمة نجده يحرس نبع الحياة أو شجرة الحياة، وعلى الإنسان أن يقهر الثعبان ليحصل على الخلود، وخلود الحية التي توحدت فيها ليليث نجدها في ملحمة جلجامش، فبعد موت انكيدو يبحث جلجاميش عن سر الخلود، ويدله الشيخ الحكيم على نبتة في عمق البحر، فيحصل عليها، ولكن الحية تسرقها منه فتفوز بالخلود.

لكن ليليث خاطفة الأولاد تتمثل في اللعبة الطفولية التالية بدجاجة خطافة حيث يصطف الأولاد وتنفرد إحداهن بالدفاع عنهم ممثلة نفسها بأمهم، وتنفرد أخرى باختطافهم ممثلة دور الدجاجة الخطافة.

الحظافه: أنا جيجة خطافة

الأم: أنا أموّ بلمو

الخطافة: باكلو وبشرب دموّ

الأم: خلّي الولد لأمو

الخطافة: ضايع لي خرزة زرقا

الأم: إن شاء الله ماتلاقيها

وفي أغاني الدلعونا تستوقفنا هذه الكلمة " دلعونا" ولعلها في الأصل أغان دينية موجهة إلى إيل عناة، ابنة المعبود ايل الخاصة بالخصب والحب والحرب، والتي تعقد الخطوبة بين الجنسين، وفي أغانينا الشعبية الكثير من هذه البقايا اللفظية.

الأغاني والقصص والأشعار المنظومة عن طير الحمام هي في أغلبها إعادة انتاج لفكرة انبعاث المعبود الميت والمرتبطة في رمزيتها بالأرض ودورة الخصب، إنها إعادة ثانية لأساطير: دوموزي، بعل، ايزيس واوزوريس، ادونيس، أقهات وأخته بوغات. الأخت تجمع رفات أخيها وتحاول إعادته إلى الحياة، وحكاية المرج الأخضر الشعبية تتحدث عن زوجة أب ساحرة تقتل ابن زوجها وتدفنه أخته في المرج الأخضر، ثم تسحر أخته حمامة، وبعد أن يعرف الأب القصة من الحمامة بعد أن يحررها من السحر ينبعث الميت، وكانت أمي ونحن صغار تحكى لنا هذه الحكاية فننصت إليها خاشعين والدموع تترقرق في أعيننا وهى تغني:

كو كو كو كو أنا الحمامة

كو كو أكلي قضامة

كوكو دبحتني خالتي

كوكو أختي الحنونة.

لمّت عضامي وزرعتها في المرج الأخضر...

والحمام في الحكايات والأساطير طائر مقدس وهذا يفسر احتفاء الأدب الشعبي به والغناء له، والمعبودة سميرنا معناها أم الحمام، ومنه استمدت اسمها الملكة الشرقية سمير أميس، ويبرز الحمام استكمالاً لتعويذات التحصين في هناهين حلب:

ها ها حندق بندق هاها وجوز حمام

هاها وإِلَك الحمد ياربي جبرت بخاطر الأيتام

ومنها الأغنية الفو لكورية:

عالعميم عالعمام رفرف ياطير الحمام

وتأخذ الحمامة دور الهاتف أو الكاهنة، ويذكر هيرودوت أنه طارت حمامتان سوداوان من طيبة مصر فحطت الأولى في اليونان وأمرت ببناء هاتف لزيوس وحطت الأخرى في ليبيا وأمرت ببناء هاتف لأمون. وفي " فون الإله المرمري" لهوثورن نجد هيلدا الفتاة اللطيفة تعيش في برج والحمام يحيط بها ويحبها إلى درجة أنها تتوحد مع الحمام، وإنها مثل فينوس تتماهى في حمامها، وقد اتخذت الحمامة رمزاً لفينوس ولروح تمثل الحب الكوني، وفي باحات الجوامع الكبرى وفي الحرم يحط الحمام مطمئناً، ومن ذلك اللعبة الطفولية: طار الحمام، حط الحمام، ضَمَّنَ هذا الرمز محمود درويش في قصيدته، وقد أصبحت الحمامة رمزاً للوداعة، والسلام.

ويستمر المزج التاريخي المشوق، والتداخل، بين التصور الديني والتصور الأسطوري في النخلة، وهي شجرة مقدسة، إنها شجرة عشتروت المسؤولة عن الإخصاب، ومنه جاء التعشير، واعتبرها الساميون شجرة الحياة، وفي الميتولوجيا الإغريقية أبولو ونبتون وُلدا تحت نخلة، ويأتي المسيح فيولد تحت نخلة:" وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا"، وطائر الفينيق في الأساطير البعلبكية هو طائر النخيل، لايموت ويبعث من رماده من جديد، ونخلة نجران كانت معبودة يزينونها بأزياء نسائية طويلة، وظل هذا التقليد جارياً حتى العصر الفاطمي والمملوكي، واليوم يعود الحجاج إلى بلادهم حاملين أثمن هديتين ماء زمزم وتمر النخيل ويقولون: تمر النبي بركة، وقد نقش المصريون القدماء التمر على جدران معابدهم.

أخذ رمز الخلود والانبعاث يظهر من جديد بعد الإسلام من ذلك نقش السبلة (السنبلة) على شواهد القبور، أو نقوش البراعم والأغصان، بمعنى أن الحياة تنبعث من الموت، وأنها بشكل ما إنتاج جديد لشجرة الحياة التي نجدها في الجداريات الرافدية، وظهرت بشكل طريف في أغاني الأطفال وألعابهم،

سبلة يا سبلة *** طالعة عالجبلة

سبلة بتججنا *** تججنا قبر النبي

والنبي شايل كتاب *** من حلب لعنتاب

الحياة والموت، البحث عن الخلود قلق الإنسان، كان وما يزال. وطعام فتح التم بعد الدفن مباشرة، وطعام التيلت (اليوم الثالث) عقب آخر ليالي المقرية رمز ودلالة وتأكيد لاستمرار الحياة"

والخوف من انتهاء الحياة على سطح الأرض دفع العامة، حين خسوف القمر، إلى إحداث أصوات عالية بالضرب على الطناجر والهاون والصفائح معتقدين أن القمر قد بلعه الحوت، ونعود إلى وراء فنجد أن قريشاً كان طوطمها الحوت، وفي أسطورة الخلق القريشية أن الله خلق الأرض على ظهر حوت، والحوت في الماء، والماء على ظهر صفاة، والصفاة على ظهر ملَكَ، والملكُ على صخرة، والصخرة في الريح. إن الحياة تستمر، ليس في شكلها الواقعي على ظهر الأرض فحسب وإنما في ذلك الحطام الهائل والمتراكم من الرموز الأولى في أغانينا واشعارنا وأمثالنا الشعبية.

الإبداع والرمز

تشكل بعض الأساطير والحكايات الشعبية البنية التحتية لإبداعات في الفن والأدب والمسرح، ومنها مثلاً قصة عائد إلى حيفا لغسان كنفاني والتي تتكئ على حكاية الحكم الذي أصدره سليمان الحكيم بشأن امرأتين ادعتا أمومة طفل، وكان الشاعر العربي القديم قد أورد بعض الإشارات الأسطورية في شعره كقول النابغة الذبياني في بناء الجن مدينة تدمر:

إلاَّ سليمان إذ قال الإله له *** قم في البرية فأحددها عن الفند

وخيس الجن إني قد أذنت لهم *** يبنون تدمر بالصُّفَّاح والعَمَد

وكان من تقاليد الأعراس أن تحمل في موكب العرس صورة فطوم المغربية وتعلق مع الجهاز في صدر البيت كأنها عشتار الجمال والحب والخصب.

وتعودنا أن يكون الأول من نيسان يوماً حراً يباح فيه الكذب وإذا عدنا إلى وراء نرى أن يوم إبدال الألواح القدرية في نهاية كل عام هو يوم فراغ وفوضى وإباحة. وفي بابل كان الملك في هذا اليوم يتخلى عن سلطانه لأحد الرعاع، ثم يسترد ملكه في نهاية اليوم.

وقد حدثت طرفة نادرة إذ مات الملك الحقيقي في ذلك اليوم وبقي ذلك الفلاح ملكاً، والتجليات الأدبية لهذه التقاليد الأسطورية ظهرت في مجال الإبداع الأدبي والفني في إحدى قصص ألف ليلة وليلة التي بنى عليها أيضاً مارون النقاش مسرحيته أبو الحسن المغفل، وسعد الله ونوس الملك هو الملك. وقبل بدء الصوم عند المسيحيين في حلب كان هناك في التقاليد الشعبية الاحتفالية يوم فراغ يتحقق فيه نوع من مسرح الشارع، إنه خميس السكارى، حيث تخرج فرق المساخر المؤلفة من الشيطانين أحمر وأسود، ومحلوج ومحلوجة، وعنتر وعبلة، وملاك بأجراس، والزير، ولاعب النبُّوت وغيرهم... يلبسون الأقنعة يغنون ويهرجون ويعتلون شرفات المنازل ويدقون النوافذ والأبواب لابسين الأقنعة، ويحاورون أصحاب البيوت وظلت هذه الفرق موجودة حتى حرمتها الكنيسة عام 1940.

واليوم نجد أن العودة إلى هذه الرموز الأسطورية القديمة تشكل اتجاهاً فنياً تشكيلياً لدى بعض أصدقائنا الفنانين من الجزيرة السورية مثل د. يعقوب إبراهيم وموسى ملكي اللذين حاولا نقل الروحانيات والجماليات من النقوش الأسطورية الآشورية على الجداريات والرقم والأختام، أو في الموسيقا لدى عابد عازارية في جلجامش، ونوري اسكندر في توثيق واستيحاء الموسيقا السريانية.

* رموز سحيقة في الطقوس الاحتفالية والألعاب

تشكل بعض الأعياد الدينية كعيد الفصح وعيد الأضحى، بتقاليد طعامها، وطقوس احتفالاتها، وشعائرها، مجالاً رحباً لاكتشاف ما فيها من رموز التجدد والخصب والحياة والفداء.

ونتوقف قليلاً عند بعض طقوس العرس الحلبي، منها أن تؤخذ العروس إلى الحمام، وتقوم النسوة بغسلها، ويطيبن جسدها بالدريرة (الترابة الحلبية) ليكون جسداً مقدساً مؤهلاً للحب والخصب، وهذا يذكرنا باغتسال اينانا المقدسة (أو من تمثلها في الاحتفال الملكي) قبل أن تعرس على حبيبها:

اينانا المقدسة تغسل بالماء والصابون

زيت الأرز العطر يرش على الأرض

الملك يذهب رافع الرأس إلى الحقل المقدس

ومن ليالي العرس ليلة الحناء، حيث تحنى أكف العروسين وبعض المدعوين والأقرباء في احتفال شعبي كبير.

وفي صبيحة ليلة العرس يقام إفطار تكون فيه الحلوى مادة رئيسة، وتقام وليمة في اليوم الخامس عشر من العرس وتسمى عزيمة الخمستعش، وهذا هو موعد الحمل المتوقع بعد انقضاء خمسة عشر يوماً على المعاشرة الزوجية، وتُحيا هذه الليلة بالغناء والرقص والموسيقى وقراءة المولد النبوي، وهي إحياء لطقوس الوليمة التي تقام بعد العرس لزفاف إينانا المقدسة.

أما "الصباحية" في احتفالات العرس الحلبي فعادة ما تقام في البساتين وذلك بعد اغتسال العريس في حمام السوق، إنها تعني اكثر من التمتع بالطبيعة وسحرها، إنها تعني حالة من التوحد بين الإنسان والطبيعة، لدفق الخصب والتجدد المستمرين في شرايين الحياة، وهو طقس رمزي قديم كان لدى السومريين: تقول أينانا:

دوموزي جاء إلىالبستان

طغت معه بين الأشجار الواقفة

وقفت معه بين الاشجار المتكئه

دفقت الزرع من رحمي.

وتحمل الألعاب الشعبية وأغانيها وشدياتها لدى الأطفال الكثير من الرموز والإشارات التاريخية والأسطورية، قبل إسلامية وإسلامية مثل لعبة " يا حاج محمد يويو" التي تبرز فيها إشارات لفظية إلى غزو الإسكندر والصراع ما بين الشرق والغرب بالرغم مما تتميز به هذه الشديات من لعب لفظي.

يا حاج محمد، يويو، أعطيني حصانك، لا شد واركب، والحق اسكندر، اسكندر مامات، خلف بنات ومنها الأغنية الطفولية:

دور دور يا عصفور *** فاطمة بنت الرسول

شايلة تمر حنة *** مكتوب على باب الجنة

باب النار للكفار *** وباب الجنة للإسلام

وكلمة كفار ربما تعني الغزو الغربي السابق واللاحق وليس المواطن غير المسلم لأن التعايش في الوحدة الوطنية قائم ومستمر.

إن كثيراً من الطقوس التي ما تزال قائمة إلى اليوم هي إعادة انتاج لطقوس قديمة بمضمونات جديدة. من قيامة بعل إلى قيامة المسيح، ومن طقوس الحزن التموزي إلى طقوس أيام المرفع، فطقوس الندب الحسيني، فطقوس البكاء على الميت لدى الندّابات في أغاني الندب الخاصة في وادي الفرات، يفعلن ذلك وهن يلطمن صدورهن في حركات متكرره موروثة.

وبعد الإسلام تم تشذيب هذه الطقوس بالمقريّة، فبعد قول الرسول(ص) ولكن حمزة لابواكي عليه، جاء العتاب الإلهي، وكان منع هذه الشعائر الطقسية، وأصبح الحزن مشاركة وصبراً على قضاء الله وأملاً، وتفكراً في حقيقة الموت والحياة ومعنى الوجود، بقراءة القرآن أيام المقرية.

إن ارتباط الأعياد الإسلامية من صوم رمضان وفطر وأضحى ومولد بدورة السنة الهجرية القمرية أبعد الفكر الإسلامي عن الزمن الدائري الأسطوري الكيفي، والمرتبط بأساطير الطبيعة ودورات الخصب، وأصبح منبثقاً من الفكر الإسلامي نفسه، ومرتبطاً في حركته بالصعودية الارتقائية بزمن امتدادي كمي عبر حياة دنيا تسير نحو نهايتها، ليبدأ زمن جديد هو زمن الآخرة.

* قوى أسطورية في الأعداد

أعطيت الأعداد والحروف والأسماء قوى غامضة عبر التاريخ، ومنذ أن اعتبر فيثاغورس الأرقام جوهر كل الأشياء، وتحدث عن تناغمها كما الموسيقى، وحتى ظهور الفرق الغالية في الإسلام التي تعطي بعض الأعداد قداسة خاصة وقوة أسطورية وبها تستغيث والأعداد أو بعضها، بما تحمل من قوى استسرارية، واتفاق ظهوراتها في كثير من الأعيان، هي محل نظر الباحث وملاحظته.

ومن هذه الأعداد المقدسة التي أحاطت بها هالة أسطورية واستقرت في الوجدان الشعبي العدد سبعة، ولو استعرضنا ظهورات هذا العدد لوجدنا أنه يستحق التأمل والبحث، فسبعة هي عدد بنات نعش من مجموعة نجم القطب، والكواكب السيارة السبعة عبدها العرب، والاستواء على العرش كان في اليوم السابع، وعدد أيام الأسبوع سبعة، وهناك السبوع للمرأة والميت والمولود، والأئمة الإسماعليه سبعة، ودورة الخصب في حلم النبي يوسف سبع سنوات عجاف يتبعهن سبع سمان، العدد سبعة يرمز إلى درجات ومراتب أهل الطرق، والمراحل التي تبتدئ بالطلب وتنتهي بالفناء، كما يرمز إلى درجات التصوف، وهو أيضاً نظام مراتب الباطنية، وعندما يبلغ الطفل سبع سنوات لدى الشبك والبكتاشية والقزلياشية، وهي مذاهب غالية، يأخذه أبواه إلى البابا فَيمنطقه بحزام يشدُّه سبع مرات، وخطوط الوجه لدى الحروفيين سبعة وبها تغنّى النسيمي في شعره، وكان للفرس سبعة بيوت للنار على اسم الكواكب السبعة، وسلط على قوم فرعون سبعة عذابات: نضوب ماء النيل، والطوفان بالمطر، والجراد، والقمل والضفادع والدم وأخيراً الغرق في البحر.

وقال التلمساني: كان العجم في أيام نيروز يجمعون سبع سينات ويأكلونها وهي:

سكر، سمن، سميذ، سفرجل، سماق، سذاب (بقل)، سقنقور (دابة كالوزغ) وعيد العجل آبيس يستمر سبعة أيام، وعند اليهود أبواب الهواء سبعة، وبين الخليقة والطوفان سبع مئة سنة، وجعلوا لأورشليم سبعة أبواب، وبنوا هيكل سليمان في سبع سنين، وأعمدة الحكمة سبعة، ورؤساء الملائكة سبعة، وبنى فيثاغورس سلمه الموسيقي على سبع طبقات، وقال أبو قراط: كل شيء في العالم مقدر على سبعة أجزاء، وقيثارة أبولون ذات سبعة أوتار، وأعياد أدونيس تستمر سبعة أيام، والعرب البائدة سبع قبائل، واتخذ لقمان سبعة أنسر والسبعة عند قريش عدد تام فهم يعدون: واحد، اثنان.. إلى سبعة ثم يقولون: وثمانية وبهذا سميت واو الثمانية، وفي القرآن الكريم: " كمثل حبة انبتت سبع سنابل " و " والبحر يمده من ورائه سبعة أبحر"...و " سبع سموات طباقا" وتقابل السموات السبع أرضين، وسورة الفاتحة سبع آيات دعيت بالسبع المثاني، وفي شعائر الحج ورمي الجمرات سبع مرات والطواف حول الكعبة سبع مرات.

وجاء تقسيم قبة الفلك إلى سبعة كواكب منذ عهد البابليين، وكل منها إلى عشرة، وهكذا انبثق العدد (70) من العدد (7) وله ظهورات كثيرة.

ودخل العدد سبعة في الأقوال والمأثورات والقصص الشعبي، منها حكاية السبع أرامل، وحكاية السبع بنات. ويقولون في الأمثال:

" إذا كان ابنك بخير حطو تحت سبع أقفال"، " القرش بحكِّي صاحبو سبعة ألسن "،

النبي أوصى بسابع جار"، " مثل القط بسبع أرواح "،" فلان سَبّع الكارات " مأخوذة من تسبيع الإناء بغسله سبع مرات إحداهن بالتراب. ومن الحكاية الشعبية السبع ملوك نسج الحلبيون نوعاً من القماش يلبسونه اسمه " صاية السبع ملوك" ذات سبعة ألوان لملوك الجان. ومن الطريف أن المتنبي افتخر بسبعة أشياء:

الخيل والليل والبيداء تعرفني *** والسيف والرمح والقرطاس والقلم

والحديث عن أسطورة العدد سبعة وظهوراته يكاد لا ينتهي، إنها رمزية تندرج في نطاق الرمزية الكوزمولوجية، ظلت محافظة على قدسيتها واستسرايتها عبر العصور ولدى أغلب الشعوب رغم تغير المعتقدات والأديان، شأنها كشأن المكان المقدس. الذي يكون معبداً وثنياً ثم يصير كنيسة فجامعاً فمدرسة دينية.

ومثله العدد " 12" استفاد قدسيته من رمزيته الزمانية الكوزمو لوجيه، فعدة الشهور اثنا عشر شهراً، والأسباط اثنا عشر والأئمة اثنا عشر...

ومثله العدد أربعون، ومن ظهوراته: أربعينية الميت والنفائس والشتاء والصيف، والمصريون يحنطون الميت في أربعين يوماً، وهناك باب الأربعين بحلب، وكنيسة الأربعين شهيداً، ومقام الأربعين، وجبل الأربعين بأريحا، والابدال أوتاد الأرض عددهم أربعون وهم رجال الغيب. ومن اعتقادات العامة:" اللى بصلّي أربعين ليلة قيام الليل بطلع على وجهو كنز "، ومن أمثالهم:" عاشر القوم أربعين يوم بتصير منن وفيّن "، البدوي أخد تارو بعد أربعين سنة " ومن تهكماتهم:" هادي كمالة الأربعين " أي تتمة المصائب

ومثله العدد خمسة، وبعض مضاعفاته: فالخمسة هم أصحاب الكساء أو أهل العبا، وهم محمد، علي، فاطمة، الحسن، الحسين، وفي القرآن:" ويقولون خمسة سادسهم كلبهم "

و" يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مُسوَّمين " و" ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم، ولا خمسة إلا وهو سادسهم ".

* العقوبة والتطهير

في التراث الأسطوري لشعوب المنطقة العربية القديمة (السامية) نجد أن كل شعب أو قبيلة أو رهط أو قوم، يحمل معه أسطورته التي دفعت به إلى الوجود، وأحلّته محلته، ورسمت لبعضهم أرض ميعاده، وإذا عدنا إلى كتاب التيجان، أخبار عبيدة بن شرية الجرهمي نجد أن عاداً ينسب إلى نوح، وكان له عشرة أولاد منهم شداد أول ملوكها الذي بنى مدينة ارم ذات العماد التي استحقت العقاب الإلهي، ثمة حكايات عن ارم تناولها الأجداد والقصاصون الشعبيون، والشعراء والأدباء، واحدة من هذه الصياغات التخيلية مسرحية ارم لخليل هنداوي. ومن تراث هذه المنطقة الحكائي، أسطورياً كان أو تاريخياً، دينياً أو شعبياً، ثمة تركيز على عملية تقويم وتطهير مستمرة تقوم على فكرة الجزاء: الذنب والعقاب، الخير والثواب، هذه الركيزه الأخلاقية، واستعجال الحساب في الدنيا، لم يلغها الإسلام وإنما أكدها، وفصل فيها ألوان الثواب والعقاب في الآيات والأحاديث، وسواء فسرت هذه النصوص بمدلولها اللفظي - المادي الواقعي، أو بمد لولها الرمزي المعنوي فإنها لا تخرج عن هذا الإطار، لقد استحق آدم الهبوط إلى الأرض لذنب العصيان، وأصبح وجه حام أسود مع نسله الزنوج لأنه نظر إلى عُري أبيه، واستحق قوم نوح وعاد وثمود العقوبة الجماعية لأنهم ضلّوا وأضلّوا وعتوا في الأرض مفسدين، وعلى البحر الميت ضربت سدوم وعمورة وخرج لوط مع ابنتيه واحتمى بالمغارة. وفي حين أن القصة القرآنية تكتفي بالحَدَث الأساسي لأن الغاية ليست كتابة التاريخ وإنما العبرة والهداية، فإن الرواية الإسرائيلية تستمر في الأسطرة، فهاتان ابنتا لوط تسقيان أباهما الخمرة وتضاجعانه ليأتي من نسلهما الموآبيون بداة الأردن والعموريون القبائل الزراعية فيها، ويقال إن موسى حرم على الاسرائيليين في سناء قتال الموآبيين والعمورنيين لأنهما عبريون من نسل لوط، على عكس ما أوصاهم بالنسبة للحثيين والآموريين والكنعانيين. جاء في سفر التكوين " أما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمة". هكذا تصبح العقوبة عند يهوه الإله اليهودي نتاجاً لشهوة الدم والإفناء للشعوب غير الإسرائيلية، ويقوم بحمل هذا الأمر اليَهْوِي شعب يحترف القتل ويقدس المدنس.

ومن الغريب أن نجد بعض الأقوال والأمثال التي تحمل رموزاً غامضة تعود إلى تلك الأزمنة وأساطيرها، من ذلك قول العامة: لاتعدّن بتطير بركتن، وللذي يباشر العد يلحقونه بهذه العبارة: عد جمال أبوك. والإبل وغيرها من الماشية هي المال، وللذي يباشر العد ونحن متخوفون من حسده نقول: خمسة بعينين الشيطان، خاصة إذا بلغ العد خمسة وزاد. والمسألة أساساً ترتبط بالجزاء: الخطأ والعقاب، إنها ذاكرة بعيدة مبهمة، ورواسب أسطورية قديمة تجعلنا نخاف من العقاب الذي يسببه الإحصاء، والحادثة تعود إلى خطيئة داود حين أغراه إبليس أن يحصي شعب إسرائيل فكان أن غضب الرب وخيره بين ثلاث لعنات: ثلاث سنين من الجوع، أو ثلاث أشهر من الهلاك في الحرب، أو ثلاثة أيام من الوباء.

لكن عصر الإحصاء اليوم يفرض انزياحاً طبيعياً عن هذه الأفكار الأسطورية، أما بقايا العبارات هذه لدى الثاقفين فإنها ترد في معرض الطرفة، ولدى جهلاء العامة في معرض الاعتقاد.

ولا بأس أن نعود إلى الخمسة ونبحث في قدسيتها التي أهلتها لأن تكون بمثابة رصد سحري ضد عقوبة العد أو الإحصاء الداوودي. فالخمسة عدد مقدس عند بعض المذاهب الغالبة فهي عدد أصحاب الكساء وهم في اعتقاد هذه المذاهب خمستهم شيء واحد، والروح حالّة فيهم سوية، فهم علة الإيجاد وسبب التكوين وسر الوجود، الخمسة هي عدد آيات سورة الفلق، المعوذة التي تقرأ لرد العين، وهكذا فالخمسة مؤهلة لتكون رصداً سحرياً ضد قوى الشر مجسدة في كف مبسوطة تعلق على صدر الطفل، أو ما نريد حمايته، ومنها أنه حين تنحر ذبيحة لتفجير بئر ماء، أو اكتمال بناء بيت يغمس المالك يده في دم الذبيحة ويطبعها كفاً مبسوطة الأصابع الخمس على الجدار. والعدد خمسة في الملاعنة يحمل العقوبة الإلهية: الغضب واللعنة " والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين"

إن بعض أمثالنا وأقوالنا وحكاياتنا وتقاليدنا يحمل تاريخاً أسطورياً تراكمياً مركباً ومعقداً وقد واجه الإسلام بعضها بنصوص واضحة الدلالة من ذلك ما كان سائداً حول عتبات البيوت وارتباطها بالاعتقاد بالجن، وقد دفع التحمس للتدين بعض القبائل العربية من أهل الحرم والقائمين عليه إلى تحريم العتبة والدخول من باب خلفي، وفيهم نزلت الآية: " ليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها " وهذا المدخل الشعائري نجده في بعض البيوت الريفية ويسمى بالخوخة، وبسبب طبيعة البناء في المدينة احتلت الخوخة جزءاً محدوداً من أ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رموز واساطير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» هل تعلم الفرق ما بين رموز النت .com .net .org !!؟؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: -,.-~*'¨¯¨'*·~-.¸¤~°*¤ô§ô¤*~( مـــنــتديــات الــــــمــواد الـــدراســـيــة )~*¤ô§ô¤*°~¤,.-~*'¨¯¨'*·~-.¸- :: منتدى مواد اللغة العربية-
انتقل الى: